تخيل أنك مدير لإحدى الشركات الكبيرة في السوق وذات السمعة الطيبة في السوق. بعد مدة، قدم أحد أذرعك اليمنى والذي يعلم أسرار عمل الشركة من الداخل والخارج استقالته، واضطررت لقبولها.
بعدها أنشأ الموظف المستقبل شركة ناشئة منافسة لشركتك، وبحكم علمه بجميع النشاطات التي تؤديها شركتك لإنتاج منتجاتك فقد أنشأ خطوط إنتاج ذات أداء مشابه أو أفضل من خطوط إنتاجك وبدأ في توزيع منتجه.
ألا تعتقد أن هذه الشركة الناشئة ستصبح منافساً قوياً برغم حداثتها؟ وأنها ستخصم من حصتك السوقية كذلك؟ والسبب استقالة موظف واحد!
الفخ هو التركيز على الفعالية التشغيلية Operational Effectiveness
عندما تعمل الشركات بدون استراتيجيات تكون المنافسة بينها على الوصول إلى أقصى امتثال لحدود الإنتاج Production Frontier والذي تمثل المعايير المثلى لنشاطات الإنتاج.
وسعي الشركات إلى الوصول للمعايير المثلى لنشاطات الإنتاج هو سعي في زيادة الفعالية التشغيلية Operational Effectiveness.
بمعنى أن الشركات التي تنتج المنتج أ جميعها تعلم ما هي النشاطات التي يجب تنفيذها للحصول على المنتج وهي تتنافس بينها على أداء هذه النشاطات بأفضل طريقة ممكنة (حد الإنتاج) وبالتالي فالشركات التي تكسب في النهاية هي التي تصل إلى وتلتزم بـ (حد الإنتاج).

بعد وقت كاف، ستنضج هذه الشركات وتجوّد وتجيد العمل على خطوط إنتاجها، وبالتالي تصبح الفجوة بين أداء نشاطات الإنتاج وحد الإنتاج صغيرة جداً، ما يعني أن جميع المنافسين سيصلون لمرحلة من التجانس التنافسي competitive convergence بحيث يصبح جميع المنافسون متشابهون في عيون العميل.
في حالتك أنت كمدير شركة، إذا استطاع موظفك المستقيل الوصول لتقارب أقرب لحد الإنتاج فسيكون منافساً قوياً لك وربما يكتسح منك السوق.
التموضع الاستراتيجي كقارب نجاة
بعكس المنافسة على الفعالية التشغيلية -والتي يكون التنافس فيها على أداء نفس النشاطات- تكون المنافسة في التموضع الاستراتيجي على تنفيذ نشاطات مختلفة أو أداء النشاطات المختلفة بطريقة مختلفة!
تأمل ذلك!
التموضع الاستراتيجي مثل محاولة صنع بصمة خاصة للشركة في سوق الأعمال تميزها عن غيرها من المنافسين، بينما ستجد الكثير من المنافسين يتنافسون على تجويد أداء الأعمال المتشابهة حتى يصلوا لدرجة التجانس التنافسي!
ليست هناك مشكلة في تبني الفعالية التشغيلية والتي كانت من المبادئ الأساسية للشركات اليابانية بصورة عامة وأثمرت على نظرية الكايزن مثلاً سوى أن الشركة لن تملك بصمة في السوق! أي لن تكون متموضعة استراتيجياً في السوق.
إذا تأملت فكرة التموضع الاستراتيجي للحظات سيرد على ذهنك التساؤل التالي: ماذا إذا كانت نشاطات شركتي مختلفة والشركة متموضعة استراتيجياً في الحقيقة، ألن يستطيع الموظف المستقيل نسخ الشركة بكل تفاصيلها وبالتالي تتحول الشركة للمنافسة على الفعالية التشغيلية بدلاً عن التموضع الاستراتيجي؟
دعنا نتفق على نقطة أولاً، إنه من الصعب جداً على المنافسين الخارجيين تقليد تموضعك الاستراتيجي بسبب قلة المعلومات.
التموضع الاستراتيجي يؤدي إلى بناء منظومة متناغمة بكل من مواردها البشرية ومهارات الموظفين والنشاطات المختلفة، هذا التناغم الذي يتطور عبر الوقت يصبح ميزة تنافسية للشركة في حد ذاته، وله درجات كذلك لن نتحدث عنها في هذه التدوينة.
التناغم الاستراتيجي يؤدي إلى أنه إذا ارتفعت الكفاءة التشغيلية لأحد النشاطات مثلاً سيرتفع أداء نشاط آخر داخل المنظومة وربما يرتفع أداء المنظومة ككل.
كما أنه بصورة عامة فاحتمالية نسخ النشاطات بنجاح أقل من 1، ولنقل أنها 0.9، فانظر إذا كان هدف الموظف المستقل نسخ 4 نشاطات في المنظومة، يصبح الاحتمال 0.9 * 0.9 * 0.9 * 0.9 = 0.6561 !

هذا عدا أن الشركات المتموضعة استراتيجياً تنمو استراتيجياً كذلك، فبافتراض أن الإدارة الاستراتيجية تؤدي دورها بنجاح، خلال الوقت الذي يعمل فيه الموظف المستقيل على نسخ الشركة ستكون الشركة نمت استراتيجياً إلى اتجاه استراتيجي خاص بها لا يعلم تفاصيله الموظف المستقيل!
ما هي أنواع التموضع الاستراتيجي
- التموضع الاستراتيجي القائم على التنوع:
هذا النوع من التموضع الاستراتيجي يقوم على اختيار منتجات محددة من منتجات المجال الذي تعمل به الشركة، مثلاً إذا كانت الشركة مختصة بإنتاج أقلام الحبر فهي شركة اتخذت قرار التموضع الاستراتيجي القائم على التنوع في قطاع صناعة الأقلام. - التموضع الاستراتيجي القائم على الاحتياجات:
هذا النوع من التموضع الاستراتيجي يقوم على توفير كل أو جل المنتجات أو الخدمات الخاصة بشريحة محددة من العملاء، مثلاً إذا كانت الشركة مختصة بإنتاج جميع المنتجات والخدمات التي يحتاجها الطلاب (قرطاسية وملابس دراسية ودروس مساندة وغيرها). - التموضع الاستراتيجي القائم على الوصول:
هذا النوع من التموضع الاستراتيجي يقوم على توفير المنتجات والخدمات لشريحة من العملاء لهم قابلية وصول مشتركة تتطلب تخصيص محدد للخدمات والمنتجات.
إذا قدمت شركة سعودية خدماتها التقنية للشركات الناشئة في دولة غانا فهي تبنت التموضع الاستراتيجي القائم على الوصول. فالشركات الناشئة في غانا قد تتطلب التحدث باللغة الفرنسية بعكس السوق السعودي المتحدث بالعربية، وقد تتطلب كذلك طرقاً مختلفة للتعاقد والتمويل وغيرها من الأمور التي تختص بمكانها الجغرافي أو “قابلية الوصول”.

خاتمة
لا شك أن الفعالية التشغيلية مفهوم شائع جداً في الحياة العامة في الوطن العربي، “انظر فلان أنشأ مقهى ناجح، إذاً المقاهي ناجحة وأنا سأنشئ مقهى بمثل طريقته، هيا نذهب لنسأله كيف فعلها ونقلده” خلاصة أفكار كثير ممن يرغبون بدخول سوق الأعمال وأصحاب الأعمال كذلك.
فذلك بسبب غياب المفاهيم الاستراتيجية للشركات والإغراء الذي يتوفر في الفعالية التشغيلية لسهولة تطبيقها في هذا الزمان، حيث أصبحت المعايير المثلى لنشاطات الإنتاج متوفرة فأصبحت العملية تبدو يسيرة، والنهاية في فخ التجانس التنافسي.
هل أضافت لك هذه الأفكار شيئاً؟ شاركنا رأيك في التعليقات أدناه
شكراً ! 🌼
لقد أضاف لي هذا المقال الكثير فعلاً ، خاصةً مع تبسيط المعلومة المعتاد من مدونة علوم ، وأرجو أن ينتفع بها كل من يُقْدِم على إنشاء شركة أو مصنع من القراَّء الكرام.
ولكن كنت أعتقد أن المدونة تهتم بكل ما يختص بدراسة علوم الحاسب و العمل بها فقط ◔‿◔
ولم أكن أعلم أن إختصاصها توسع ليشمل العلوم الإدارية والإقتصادية أيضاً 🤔
عامةً أتمنى للمدونة التوفيق والتميز دائماً ، وفي كل مجالاتها 💟
تحياتي ..